(بيوتات كربلاء) طوافة النجاة للكربلائيين الأصليين

المقاله تحت باب  قضايا
في 
27/07/2012 06:00 AM
GMT



يستعد مجموعة من شباب محافظة كربلاء لتشكيل قائمة إنتخابية موحدة بعد إعلانهم عن تشكيل "تجمع بيوتات كربلاء" الذي يقتصر في عضويته على السكان الأصليين للمدينة. الشباب أرجعوا حراكهم إلى ما يعتبرونه ضياعاً لهوية المدينة والإقصاء عن الحياة السياسية الذي طال سكان كربلاء الأصليين في السنوات الأخيرة.
القائمة التي ستشارك في انتخابات مجالس المحافظات في نيسان المقبل قد تحمل التسمية ذاتها للتجمع وهي "بيوتات كربلاء" وكلمة بيوتات هي تصغير لكلمة "بيوت" وهي من الكلمات التي يستخدمها الكربلائيون الأصليون في المدينة التي شهدت هجرات متعاقبة من مدن الجنوب طوال العقود الثلاثة الماضية.
يقول علي النواب احد الداعين الى التجمع لـ"نقاش" إن "هناك ضرورة لتولي أهالي كربلاء الأصليين زمام الأمور والعودة بقوة إلى إدارة مدينتهم بأنفسهم".
ويضيف النواب الناشط في مجالات ثقافية وحقوقية عدة إن "السنوات الماضية شهدت اقصاء أهالي كربلاء عن المشاركة في إدارة الشؤون السياسية والخدمية والاجتماعية في المحافظة، وأن معظم السكان الأصليين لديهم الرغبة في تولي ابناءهم ادارة المحافظة إلا أنهم يفتقرون الى التنظيم".
موجات النزوح المتكررة لآلاف المهاجرين إلى المدينة بدأت في السنوات الأولى لإندلاع الحرب العراقية الإيرانية وإنتهت بالنزوح الذي أعقب المشكلات الطائفية في بغداد، حيث فاقت أعداد النازحين طوال تلك السنوات عدد السكان الاصليين، وتسببت في الكثير من الاشكاليات الجوهرية بين شرائح المجتمع الكربلائي.
ويلقي النواب باللائمة على النازحين الى كربلاء في اثارة الصراعات الاجتماعية وعدم احترامهم لخصوصية المدينة وثقافة ابنائها، فيقول، "انهم يتعاملون مع السكان الأصليين كأنهم ضيوف عليهم وليس العكس".
آخر الاحصائيات الرسمية أشارت إلى زيادة أعداد مواطني محافظة كربلاء إلى الضعف، حيث وصل عدد السكان إلى مليون ونصف المليون نسمة بحسب إحصائية وزارة التجارة للبطاقة التموينية للسكان، فيما يؤكد بعض المعنيين أن نسبة السكان الاصليين اقل من نصف هذا العدد.
وتعد كربلاء التي تقع ضمن منطقة الفرات الاوسط من أبرز المدن الدينية المقدسة للمسلمين الشيعة في العالم الاسلامي، اذ تحتضن مراقد شيعية مقدسة، كالإمام الحسين بن الأمام علي واخيه العباس، مما جعل منها مزارا يستقبل ملايين الوافدين سنويا.
وكثيرا ما يقفز إلى الواجهة الإجتماعية بعض الصراعات بين سكان المدينة الأصليين وبعض النازحين اليها من بقية محافظات العراق، او ممن ينحدرون من إصول غير عربية.
مصطلحي (اللفوة) الذي يشير إلى الغرباء الذين استوطنوا المدينة و (العجم) الذي يطلقه الكربلائيون على الإيرانيون والأتراك والهنود القاطنين في مدينته باتا مُتداولين بشكل معلن بين شرائح إجتماعية مختلفة في كربلاء.
ويقول أحد السكان الأصليين لموقع "نقاش" اصبحنا نسير في الطرقات ونشعر اننا غرباء بسبب كثرة المهاجرين".
ويضيف، "سلبت كربلاء من تراثها وثقافتها الخاصة، وحلت مكانها عادات غريبة علينا لم نكن نعرفها، فالتقاليد الدخيلة إخترقت كل شيء حتى حجاب النساء اللواتي صرن يرتدين ألواناً مختلفة من الحجاب الإيراني والباكستاني وغيره".
احمد عبد الحسين أحد المتحمسين لفكرة انشاء التشكيل السياسي يقول إن "كربلاء كانت تتميز بالتسامح والبساطة في ثقافة سكانها وطرق تعاملهم مع الآخرين، لكن تلك الثقافة المدنية المتوارثة لم تعد سارية بين الناس بعد زحف القوانين والأعراف العشائرية الريفية التي باتت هي الحاكمة".
ويضيف "اعتقد اننا بحاجه إلى مراجعة شاملة لواقع المدينة تبدأ من حراك شعبي يستعيد هوية الكربلائيين الاصليين، صعودا إلى تولي أهالي كربلاء أنفسهم ادارة حكومتهم المحلية".
موجات النزوح المتعاقبة على مدى العقود الثلاث الماضية إلى المدينة فرضتها أوضاع الحرب بين العراق وايران في عقد الثمانينات من القرن الماضي، ونتائج سياسيات نظام صدام حسين بتجفيف الأهوار في جنوب العراق وهجرة بعض سكانها إلى كربلاء، وعواقب انتفاضة الشيعة ضد نظامه عام 1991، فضلا عن المشكلات الطائفية في بغداد عقب سقوط النظام والتي تمثل آخر موجات النزوح إلى المدينة.
كربلاء استقبلت في الحرب العراقية - الايرانية آلاف العائلات الهاربة من القصف الجوي والمدفعي في محافظة البصرة، أعقبتها موجة نزوح تعد الأسوأ في تاريخ المدينة في أواسط عقد التسعينات وكانت من محافظتي الناصرية والعمارة بعد تجفيف النظام السابق للأهوار في تلك المحافظات.
الموجة الأكثر كثافة والتي جرت في وقت قياسي حدثت في عام 2006 حيث نزحت آلاف العائلات الهاربة من عواقب الإحتقان الطائفي من بغداد والموصل وديالى وصلاح الدين إلى كربلاء.
الحكومة المحلية في كربلاء سنّت في عام 2010 قانوناً للحد من الهجرة إلى كربلاء أكدت فيه عدم قدرة المدينة على إستيعاب الوافدين اليها من المحافظات العراقية الأخرى، وخصصت مبلغ أربعة ملايين دينار لكل أسرة نازحة تغادر كربلاء إلى محافظاتها الاصلية.
القانون حفّز (4300) أسرة على مغادرة كربلاء والعودة إلى الديار بحسب الإحصائيات الرسمية للمحافظة.
أما منظمو قائمة "بيوتات كربلاء" التي تتهيأ لدخول الإنتخابات المقبلة لمجالس المحافظات فاشترطت ان يكون المرشح ضمن القائمة من أب كربلائي المولد يقطن المدينة منذ عقد العشرينات من القرن الماضي أي أنها لن تقبل دخول النازحين، فضلاً عن استبعادها الشخصيات السياسية والدينية عن عضوية التجمع.
ويقول الحاج علي المستوفي أحد سكنة محلة باب الخان الشهيرة في المدينة القديمة "يجب أن نعمل على حملة تثقيف بين صفوف السكان الاصليين لانتخاب هذه القائمة، فاظهار مشاعر التذمر والسخط غير كافية لتغيير الواقع الحالي الذي نعيشه".
ويتابع، " الغرباء هيمنوا على مفاصل السلطة والوظائف العامة بشكل لا يطاق".
ويشير المستوفي "اصبح ابنائنا يعانون في الحصول على الوظائف الحكومية فضلا عن صعوبة الحصول على فرص عمل جيدة".
موجات النزوح سببت بحسب بعض الباحثين أزمة سكن خانقة في المحافظة إلى جانب تضرر البنى التحتية بسبب تزايد الضغط.
الباحث الإجتماعي عبد الكريم العامري يؤكد ان النازحين الى كربلاء استساغوا البقاء فيها وعدم المغادرة لظروفها الأمنية والاقتصادية الجيدة.
ويقول "كربلاء تتميز بعدة مقومات مغرية، نظرا لإعتدال مناخها بسبب كثرة بساتين النخيل المحيطة بها ووفرة محاصيلها الزراعية، إلى جانب كونها مدينة للسياحة الدينية التي تتوفر فيها آلاف فرص العمل".
ويضيف "معظم النازحين الى كربلاء هم من الطبقات الفقيرة والمعدمة فمن الطبيعي أن يفضلوا البقاء في كربلاء على خيار العودة إلى مدنهم الأصلية، خصوصا وأن الكثيرين منهم استطاعوا تأمين مصدر رزق ثابت ووفير".
ويقول العامري "تشكلت في العقدين الماضيين العشرات من الأحياء السكنية الكبيرة والجديدة، يسكنها نازحون من خارج كربلاء".
من جهته يبعث أيسر زيني برسائل تطمين الى السكان غير الاصليين حول محور مشروع بيوتات كربلاء، وأن التجمع لا يستهدف أحد سوى تولي أهل المدينة حقهم المشروع في إدارة المحافظة.
يقول أيسر "لا نسعى لاستهداف أحد من وراء مشروعنا الحالي سوى إعادة تنظيم شؤون المدينة بالشكل الملائم الذي يخدم جميع الأطراف دون غبن، فأبواب مدينتنا مفتوحة أمام الجميع".
ويلفت زيني، "يجب ان تُدار المدينة من قبل أناس يدركون خصوصيتها وكيفية تقديم الخدمات بالشكل الأمثل دون قصور أو تقصير".
التجمع الذي تم الإعلان عنه قبل سابيع نجح في استقطاب مئات المؤيدين من السكان الأصليين للمدينة، ويراهن منظموه على عامل الوحدة في كسب الجولة الانتخابية لمجلس المحافظة كما يسعون لحث أهالي المدينة للتصويت له.
عن (نقاش)